قال وزير الخارجية محمد الحضرمي، إن مليشيات الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران هدمت خلال بضع سنوات حلم جميع اليمنيين بالحرية، والمواطنة المتساوية، والعيش الكريم.
وأضاف الوزير الحضرمي في كلمة الجمهورية اليمنية التي ألقاها في الدورة الـ 74 للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك: أن حلم اليمن واليمنيين كاد أن يتحقق بفضل المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل التي تُوجت مخرجاته بدستور جديد ليمن اتحادي يتسع لكل اليمنيين بكافة أطيافهم السياسية والقبلية والمجتمعية يتم فيه حفظ الحريات وينعم أهله بالمواطنة المتساوية والتوزيع العادل للسلطة والثروات.
وأكد أنه هيهات للشعب اليمني الصامد الأبي أن يستكين، فكما اسقط خرافة الحق الإلهي في ثورته الأبية الخالدة ثورة الـ 26 من سبتمبر التي نحتفل بذكراها السابعة والخمسين هذه الأيام، فسيسقط تلك النسخة الاسوأ من تلك الخرافة، كما سيسقط الشعب اليمني أي محاولات لتمزيق الوطن انتصارا لثورته الخالدة في جنوب الوطن في الـ 14 من أكتوبر المجيدة، التي اكتمل ألقها في الـ 22 من مايو وفي صيغة اليمن الاتحادي الجديد الذي توافق عليه اليمنيون، فذلك سفر الخلود اليماني وتلك سننه!.
وتابع بالقول: أقف أمامكم اليوم بقلب حزين لما آلت إليه الأوضاع في بلادي اليمن، هذا البلد المعطاء الضارب بجذوره في عمق التأريخ، بلد الحضارة والرخاء، بلد الشموخ والكبرياء، أصل العرب وفخرها، هذا البلد الذي أثكلته جراحه بسبب حرب فُرضت عليه من قِبل مليشيات مسلحة عقائدية تمتهن التعذيب والإقصاء والقتل كأداة للوصول إلى مآربها.
واستطرد قائلاً: إن تلك المليشيات الحوثية المدعومة من قبل إيران، وإيران ذلك البلد الذي يُعد الراعي الأول للإرهاب في العالم والذي ومن أجل تحقيق أطماعه التوسعية في المنطقة قام بتكريس أموال شعبه من أجل دعم مليشياته ووكلائه خارج أرضه بالسلاح والمال والخبرات التخريبية، فمنذ العام 2014 قامت مليشيات الحوثي بدعم إيراني بتدمير كل ما هو جميل في اليمن، وانقلبت على الدولة ومؤسساتها بقوة السلاح، وفجّرت المنازل ودور العبادة، وقصفت الأبرياء وسرقت قوتهم، وصادرت الحريات واختطفت الناشطين وكل من عارضها، وملئت أرجاء اليمن وترابه الطاهر ومياهه النقية بكل أنواع الألغام المحرمة دوليا.
ولفت إلى أن اليمن واليمنيين وبرغم كل هذه الصعاب والمعوقات، تمكنوا بتضحيات أبطال قواتنا المسلحة والمقاومة الباسلة وبدعم وإسناد قلّ نظيره من الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة، من كبح جماح وجنون هذه المليشيات العقائدية، التي لا تزال إلى يومنا هذا تؤمن بحقها الإلهي الحصري في الحكم، ضاربة عرض الحائط كل قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما تم التمكن بدعم الأشقاء في تحالف الحزم والعزم من ردع انقلابهم وكف أذاهم وشرورهم عن معظم أرجاء اليمن.
وأعرب عن تقدير اليمن لدعم الأشقاء في التحالف بقيادة السعودية، منوهاً بالمواقف الصادقة والقوية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، التي تعد تأكيداً على الأخوة الصادقة والتي حُفظت في قلوب كل اليمنيين، كونها أتت في أكلح الظروف وتلبيةً لطلب رسمي من فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لتحقيق أهداف نبيلة، وهي مواجهة مليشيات الحوثي والمشروع الإيراني التوسعي، واستعادة الدولة والشرعية، والحفاظ على أمن واستقرار ووحدة وسلامة الأراضي اليمنية.
كما قال الوزير الحضرمي، وبعد تحرير عدن في 2015 من الحوثيين سعت الحكومة اليمنية، على الرغم من الأوضاع السياسية والأمنية الصعبة التي تواجهها، إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية، واستئناف عملية التنمية، واتخاذ كل الإجراءات الضرورية اللازمة لوقف التدهور في سعر العملة الوطنية، وبلورة رؤى اقتصادية شاملة تمكنها من التكيف مع هذا الوضع الاستثنائي الذي تعيشه بلادنا، وقد كانت الحكومة اليمنية تسعى في العاصمة المؤقتة عدن بكل ما لديها من إمكانيات محدودة للتخفيف من معاناة كل اليمنيين الذين تحولت حياتهم اليومية إلى كارثة إنسانية.
وأضاف: وبينما يقاوم شعبنا ميليشيات الانقلاب الإمامي الحالم بعودة الماضي وفي إطار تحالف جاء لدعم الشرعية واستعادة الدولة قام ما يُسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم مالياً وعسكرياً ولوجستياً من دولة الإمارات العربية المتحدة بالتمرد على الدولة والسطو المسلح على مقرات الحكومة في العاصمة المؤقتة عدن مسكوناً بأوهام التشطير ووهم السلطة وفرض الخيارات بقوة السلاح، مستهدفاً بذلك الشرعية الدستورية والهوية اليمنية.
وأردف قائلا:” وعلى الرغم من إصدار قيادة تحالف دعم الشرعية لبيانات تؤكد على ضرورة انسحاب هذه التشكيلات العسكرية الخارجة عن القانون من مؤسسات الدولة ومعسكراتها وبشكل فوري، إلا أنها وعلى العكس من ذلك قامت بالتوسع في محافظتين أخريين، ولذا اضطر الجيش الوطني الباسل للتصدي لهذه المحاولة والقيام بواجبه في استعادة الدولة ومؤسساتها في العاصمة المؤقتة عدن، غير أن الجيش وللأسف تعرض لضربات عسكرية مباشرة وخارجة عن القانون الدولي من الطيران الإماراتي وبصورة شكلت ضربة قاسية في جسد الوطن وانحرافاً صريحاً عن الأهداف النبيلة لتحالف دعم الشرعية في اليمن”.
وتابع: “ونحن نقدر عالياً ونشكر المملكة العربية السعودية الشقيقة على الإجراءات التي تقوم بها لإنهاء هذا التمرد وإيقاف هذه الأعمال من قبل دولة الإمارات في المناطق المحررة لكونها ليس من مهام قوى التحالف ومن أجل تصويب المسار ولملمة كافة الجهود نحو إنهاء الانقلاب الحوثي الإيراني في اليمن، واسمحوا لي بان أوجه ومن على منصتكم الكريمة التحية والتقدير والإجلال لأبطال قواتنا المسلحة الذين ببطولاتهم وتضحياتهم وإراداتهم التي لا تقهر سيبقى اليمن عزيزا منيعاً، تعانق فيه جبال عيبان جبال شمسان وهي تردد ترنيمة اليمن الخالدة: “لن ترى الدنيا على أرضي وصيا!”.
كما ثمن وزير الخارجية، عاليا دور المانحين من الأشقاء والأصدقاء الذين وقفوا مع اليمن في وقت الشدة وأسهموا في التخفيف من أعباء الأزمة الإنسانية بدعم خطط الاستجابة الإنسانية أو تقديم المساعدات المباشرة، ونخص بالذكر المملكة العربية السعودية الشقيقة التي دعمت بسخاء خطط الاستجابة الإنسانية وكان آخرها تقديم نصف مليار دولار لدعم خطة ٢٠١٩، وقدمت المساعدات الإنسانية المباشرة لليمنيين في كل أرجاء اليمن من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة، إضافة إلى تقديم الدعم المباشر لخزينة الدولة لمنع انهيار العملة الوطنية، وتقديم ضمانات بنكية للسلع الغذائية، وتخصيص ٦٠ مليون دولار شهريا لدعم تمويل وقود شبكات الكهرباء، إلى جانب إسهامات البرنامج السعودي للتنمية وإعادة أعمار اليمن ومركز إسناد العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن.
وأكد أن إيران وأذرعها العسكرية في منطقتنا العربية بما فيها الحوثيون وحزب الله تشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي، فإيران دولة مارقة لا تحترم القانون الدولي ولا التزاماتها كدولة عضو في الأمم المتحدة، ولفت إلى أنه أن إيران ألحقت باليمن والجزيرة العربية ضررا بالغا، فهي من انشأ ودرب وسلح ومول مليشيا الحوثي التي ترفع شعار الثورة الإيرانية وتنتهج نهجها في القمع والتنكيل والتعذيب، وحولت بعض المناطق في اليمن إلى منصات لإطلاق الصواريخ لتهديد أمن الجيران والملاحة الدولية في البحر الأحمر، وما زالت التقارير الأممية تكشف وتؤكد حجم الدعم الذي تتلقاه مليشيا الحوثي من إيران.
وتابع: ولم تكتفِ مليشيات الحوثي بذلك بل قامت مؤخرا بإدعاء مسؤوليتها عن الهجمات الإرهابية على منشأة شركة أرامكو السعودية في بقيق وخريص، في تضليل واضح وتبعية فاضحة للنظام الإيراني المارق، ونحن إذ ندين هذا الهجوم الإرهابي، نؤكد على ضرورة أن يتم التصدي له وتحميل فاعليه المسؤولية كاملة، ولا نعده هجوما على المملكة العربية السعودية فقط ولكن على الاقتصاد العالمي وتهديدا خطيرا للأمن والاستقرار الدولي.
وجدد تأكيد الحكومة اليمنية أنهم ليسوا دعاة حرب ودمار بل دعاة سلام واستقرار، ومن أجل ذلك واستشعارا بالمسؤولية الكاملة عن كل أبناء الشعب اليمني، دعمت الحكومة عملية السلام الأممية وجهود المبعوث الخاص لليمن وانخرطت بكل إيجابية ومرونة في جميع مبادرات السلام وفقا لمرجعيات السلام في اليمن المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن لاسيما القرار 2216.
وأضاف: كما ذهبنا إلى السويد العام الماضي من أجل إعطاء السلام كل الفرص، غير أنه وبسبب تعنت المليشيات الحوثية وتهربها المستمر من الالتزام بما تم التوافق عليه، لم يراوح هذا الاتفاق مكانه منذ ما يزيد عن عشرة أشهر، والحل هنا لا يكمن في القفز على ما تم الاتفاق عليه أو غض الطرف عن هذا التعنت غير المبرر من قبل الحوثيين، بل يكمن في إلزام هذه المليشيات بالقيام بما وافقت عليه وتعهدت بتنفيذه أمام العالم، كما يجب أن يعلم الحوثيون بأن السلام ليس خطابات وشعارات وأن له متطلبات واستحقاقات، ويجب أن يتحمل مجلس الأمن مسؤوليته ويلزم الحوثيون بتنفيذ ما ورد فيه: بالانسحاب من مدينة وموانئ الحديدة وتنفيذ اتفاق إطلاق الأسرى — كل الأسرى — وفك الحصار الجائر عن مدينة تعز.
وقال: وفي هذا الصدد لا يمكنني إلا أن أشارككم رسالة مؤثرة استلمتها قبل يومين من رابطة أمهات المختطفين تناشدني فيها أمهات المعتقلين أن أنقل للعالم مأساتهن في فقدان أبنائهن في غيابة سجون الحوثيين بل واستخدامهم كدروع بشرية، ولا يسعني إلا أن اؤكد لهن بأننا لن ننسى جرائم الحوثي وسوف نواصل بكل جد المطالبة بالإفراج عنهم جميعاً، فصبراً واحتساباً أم أنس، أنت وكافة أمهات المختطفين، أليس الصبح بقريب.
كما جدد تأكيد الجمهورية اليمنية موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وناشد الحضرمي، المجتمع الدولي الاستمرار في تقديم الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لتتمكن من مواصلة تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين.
وأدان بشدة استمرار السياسات الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية والانتهاكات اليومية تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه المقدسات الإسلامية، وأدان على وجه الخصوص تصريحات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بشأن نيته ضم أراضي في الضفة الغربية المحتلة وفرض السيادة على غور الأردن وشمال البحر الميت، الأمر الذي يشكل انتهاكاً سافراً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات للشرعية الدولية وقراراتها بخصوص الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة ويعمل على تقويض أي فرص لإحراز أي تقدم في عملية السلام.
وأختتم بالقول: اتمنى أن تكلل أعمال الجمعية العامة بدورتها الحالية بالنجاح والتوفيق، وإن نلتقي العام المقبل وقد حل السلام في ربوع اليمن، فقضيتا صلبة كالصخر وعزيمتنا شديدة لن تلين ونحن تواقون للسلام المستدام والشامل المبني على الثوابت الوطنية، ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر للسيد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة على جهوده المخلصة التي يبذلها من أجل تحقيق السلام لكل شعوبنا، كما أقدر على وجه الخصوص اهتمامه الخاص والكبير باليمن وبشعبه وأمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضية، كما اشكر مبعوثه الخاص السيد مارتن غريفيثس وطاقمه على كل ما يقدمونه من جهود من أجل الدفع بعجلة السلام في بلادي.