للقضية اليمنية أبعاد متعددة، بعدها الداخلي وهو الأساسي، وكذلك الإقليمي والدولي، ولا يجب على الحكومة اليمنية أبداً أن تهمل أياً من هذه الأبعاد، وتعقيدات صياغة القرار الدولي تتطلب جهداً سياسياً ودبلوماسياً كثيفاً ومتواصلاً، وتعد المؤتمرات الدولية أحد أهم الأدوات الدبلوماسية للتأثير في حركة السياسية الدولية وخاصة المؤتمرات المهمة ومن ضمنها مؤتمر ميونخ، وبالتالي جاءت مشاركة فخامة الرئيس د.رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي في فعاليات مؤتمر ميونخ للأمن الدولي 2025 حرصاً على استمرار تواجد اليمن في الذهنية الدولية والعمل على تنسيق المواقف وتصحيح الرؤى الدولية حيال اليمن.
تضمن برنامج عمل فخامة الرئيس ومعالي وزير الخارجية وشؤون المغتربين عدداً من اللقاءات الثنائية مع فاعلين دوليين رئيسيين في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية، وكانت رسائل فخامة الرئيس محددة وواضحة تتمثل في الإجابة على السؤال الهام: ماذا يستطيع المجتمع الدولي أن يقدم للقضية اليمنية؟ ومنطلقاً من الإجابة على هذا السؤال المحوري للبعد الدولي للقضية اليمنية ركز فخامته على عدة محاور، مستندا على رغبة الحكومة اليمنية في الوصول إلى السلام والاستقرار في اليمن، ومستعرضا الأدوات المناسبة للوصول إليه وكيف يمكن للمجتمع الدولي المساعدة.
إن ضرورة تفعيل الأدوات العقابية مثل تصنيف ميلشيا الحوثي كجماعة إرهابية لما يمثله هذا التصنيف من ضغط على الحوثي وتحويل للتعامل الدولي من أسلوب الاحتواء “الذي ثبت فشله” إلى أسلوب الردع، كان من أهم رسائل المشاركة اليمنية في المؤتمر، وفي الوقت الذي قامت فيه عدد من الدول بهذه الخطوة، فإن الدول الرئيسية الأخرى تنظر إلى الأمر بجدية وتدرسه بعناية، وكان من الواضح أن قرارها بالتصنيف لا تنقصه القناعة بالطبيعة الإرهابية للميلشيا الحوثية، فهذا الجانب قد اقتنع به أغلب اللاعبين الدوليين، والقضية بالنسبة لهم تكمن في التفاصيل الفنية والإجرائية.
كما تضمنت رسائل فخامة الرئيس التحذير من المخطط الإيراني القديم بالسيطرة على البحر الأحمر وإدراك أبعاد هذا المخطط وأنه غير مرتبط بتطورات سياسية معينة، وما تمثله جماعة الحوثي من أداة للنظام الإيراني في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، محذراً أيضاً من أن فائض القوة لدى النظام الإيراني عقب سقوط نظام بشار الأسد وحزب الله، سيتوجه إلى ميلشيات الحوثي مما سيفاقم من المعاناة اليمنية ومن التهديد الدولي، كما تناول في مشاركاته المختلفة حقيقة أن الخطر والتهديد على ممرات المياه الدولية ينطلق من البر اليمني الذي تسيطر عليه ميلشيا الحوثي وليس من البحر فقط، وبالتالي فإن المعالجة السليمة تكمن في تغيير موازين القوى على الأرض ودعم الحكومة اليمنية لتبسط سيطرتها القانونية على كافة الأراضي اليمنية وتستطيع أن تقوم بواجباتها في فرض الأمن والسلام في اليمن وإنهاء أي تهديدات للأمن الدولي.
في كافة اللقاءات الثنائية وكذلك في الفعاليات وطاولة الحوار، كانت الرسالة اليمنية واضحة: إن فهم المشكلة هو السبيل للوصول إلى حل، والمشكلة تكمن في سيطرة ميلشيا أيدلوجية إرهابية من لون واحد على بقعة جغرافية من الأرض اليمنية وتؤمن بحقها الإلهي في الحكم منفردة وإقصاء أي أطراف أخرى، ترتهن للنظام الإيراني وتنخرط في حروب مستمرة لا تعدم أن تجد لها مبررا، وهي تهديد دائم وليس مؤقت على اليمن والإقليم والعالم، وأن هذه المشكلة اليمنية يتحد أمامها كافة اليمنيين ممثلين بمختلف توجهاتهم السياسية في مؤسسات الحكم الرئيسية، وهي أيضا تتطلب أن يقوم المجتمع الدولي بدوره وأن يتم تنفيذ القرارات الدولية وعلى رأسها القرار 2216، وأن يغير من سردياته وأساليب وأدوات تعامله مع هذه الجماعة الإرهابية.
من الضروري الإشارة إلى أن الجهد الدبلوماسي والسياسي لا يبنى بين ليلة وضحاها، وأنه عملية تراكمية تستغرق الكثير من الوقت والجهد، والنجاح الكبير لمشاركة فخامة الرئيس في مؤتمر ميونخ 2025 والذي يمكن أن تلمسه بوضوح في ردود فعل المسؤولين الدوليين وفي طرح المتحدثين في الفعاليات الرئيسية، هو مبني على استمرارية التواجد، وعلى مشاركات اليمن السابقة في المحافل الدولية، واغتنام الفرص المناسبة لطرح الأفكار وإدارة الحوار السياسي مع الشركاء الدوليين، وهو ما يجب أن يستمر لتحقيق الهدف الوطني في الحشد الدولي للقضية اليمنية ورفد جهود الحكومة في إنهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة والاستقرار والسلام في اليمن.